عن بوتفليقة وصنم الأسد
بقلم: بكر صدقي
واجه النظام الحاكم في الجزائر موجة الاحتجاجات الشعبية الرافضة لـ«العهدة الخامسة» بمناورة سياسية من أجل كسب الوقت وترتيب البيت الداخلي، أي التوافق على مرشح رئاسي جديد.
الجزائريون أدرى بأمورهم، ولسنا في موقع تقديم الدروس لهم، سيعرفون كيف يتعاملون مع الوضع الجديد الناجم عن تأجيل الانتخابات الرئاسية وتشكيل الحكومة الجديدة وبقية بنود الصيغة التي قدمها النظام. ولكن يمكن تسجيل انتصار أولي حققه الجزائريون على نظام الأبد الخاص ببلدهم، وسنرى ما سيبنونه على هذا الانتصار.
ما يهمنا هو نظام الأبد الأسدي في سوريا الثمل ـ ظاهرياً ـ بـ«انتصاراته» وبقنابل الفوسفور التي يلقيها طيرانه والطيران الروسي على بلدات «خفض التصعيد» في إدلب وجوارها. فقد تلقى صفعة مدوية في درعا البلد وطفس حيث خرج الأهالي في مظاهرات تحد بطولية رفضاً لنصب تمثال مؤسس النظام عندهم، بالتزامن مع استعادة السوريين لذكرى انطلاق ثورتهم من نفس المكان قبل ثماني سنوات.
بطولية لأنها تجري في مناطق استعاد النظام السيطرة عليها قبل أشهر، وشكلت مفاجأة كبيرة، طيبة للمعارضين ومشؤومة بالنسبة للنظام والموالين. حتى لو كانوا بعيدين اليوم عن متناول العصابات الأسدية، فقد خرجوا بوجوه مكشوفة أمام الكاميرات، مجسدين شعارهم المعروف الذي انطلق من الحناجر قبل ثماني سنوات: «الموت ولا المذلة».
مذلة أن يحكم السوريون بصنم من حجر لشخص شبع موتاً لكنه يواصل احتلال السلطة من قبره، بواسطة واجهة تافهة ومجرمة مرتهنة للروس والإيرانيين، تحميها عصابات مرتزقة متعددة الجنسيات.
لا يمكن تأهيل نظام يحكم من القبر بواسطة الإرهاب الذي يشكو منه الغرب المنافق. لن ينتهي خطر الإرهاب العابر للحدود قبل تغيير هذا النظام، ولن يعود اللاجئون السوريون إلى أرض الخراب ما دام النظام.
رفض الجزائريون أن يستمر بوتفليقة في حكمهم، وحققوا هدفاً في مرمى النظام الذي يختبئ خلفها. ورفض أهالي حوران أن يحكمهم تمثال الأسد، كما فعل السوريون في كل مكان منذ العام 2011، وقد حققوا الكثير، على رغم التضحيات والآلام الكبيرة.
لقد شهدت الثورة خلال السنوات الماضية، تحولات كبيرة أبعدتها عن أهدافها وتطلعاتها، وربما هزمت كحركة شعبية واسعة بفعل التفوق الناري القاهر للنظام وحلفائه، لكن روحها ما زالت، جمرةً تحت الرماد، تشع كل حين وآخر، فلا تترك النظام المأزوم يشعر براحة المنتصر.
يمكن قراءة غارات النظام بالقنابل الفوسفورية على بلدة التمانعة، ليل الاثنين ـ الثلاثاء، بوصفها رد النظام على إسقاطه في درعا البلد وطفس، فهذا ما يجيده نظام الحرب الدائمة، من غير أن نغفل المرامي «الاستراتيجية» لهذا الهجوم الذي يأتي في سياق الضغط لإنهاء اتفاق سوتشي الموقع بين تركيا وروسيا في أيلول/سبتمبر 2017. كما يشكل ضغطاً روسياً على شريكته في الاتفاق المذكور تركيا لكي «تفي بالتزاماتها» على ما يتذمر الناطقون الروس.
هذه هي حال جزء من اللوحة الكارثية التي يريد النظام وحلفاؤه أن يبيعوها للعالم بوصفها انتصاراً حققه النظام: هذا الجزء الذي يقول إن الأرض السورية تحولت، منذ سنوات، إلى ساحة لتصفية الحسابات بين دول، بين خصوم تارة، وبين شركاء تارة أخرى.
يتفقون في سوتشي ويتصارعون على الأرض السورية. كذلك يتحدث الجزء نفسه من اللوحة عن صراعات دموية بين فصائل مسلحة للهيمنة على الأرض والتحكم بالسكان، أو مجموعات مرتزقة مرتهنة لدول أخرى تحترف السلب والنهب، كحال منطقة عفرين هذه الأيام، أو مجموعات ارتهنت لأجندة الولايات المتحدة في محاربة الإرهاب، وتشعر الآن بخطر التيتم بعد القرار الأمريكي بالانسحاب من سوريا. في حين أن إسرائيل تبدو الرابحة الوحيدة من الدول المنخرطة في الصراعات على الأرض السورية، لها ظهير أمريكي ثابت، وشريك روسي متفهم وحريص، تضرب متى شاءت وفي أي مكان من أراضي «جمهورية» الأسد الوراثية الساقطة.
وإذا كان مفهوماً أن يسعى الروس والإيرانيون إلى تسويق فكرة انتصار الأسد، فلا يمكن فهم مواقف الدول الأخرى التي تردد كل يوم أن الواقعية تقتضي التسليم بانتصار نظام الأسد، والتعامل معه على هذا الأساس، أي على أساس أنه باق برغم قرارات مجلس الأمن التي تنص على «الانتقال السياسي». وكأن الانتصار لا يعني سوى القدرة على التدمير وعلى مواصلة الحرب بصورة مستمرة.
لن ينجح هذا التدليس. لا يمكن تأهيل نظام يحكم من القبر بواسطة الإرهاب الذي يشكو منه الغرب المنافق. لن ينتهي خطر الإرهاب العابر للحدود قبل تغيير هذا النظام، ولن يعود اللاجئون السوريون إلى أرض الخراب ما دام النظام.