محاولة روسية جديدة لتفكيك “الائتلاف الوطني” السوري المعارض

أعلن عدد من “معارضي” النظام في جنيف، الاثنين، عن طرحهم مبادرة قالوا إنها “وطنية سورية” تهدف لعقد “مؤتمر وطني شامل يجمع السوريين بمختلف مشاربهم الفكرية والسياسية والدينية خلال فترة أقصاها 6 أشهر”، يقع على عاتقه “وضع خريطة طريق” تتضمن “تحديد اجراءات تهيئة المناخ للحل السياسي قبل واثناء التفاوض”، و”اقتراح تشكيل هيئة حكم انتقالي وتتالف من مجلس وطني انتقالي، ومجلس قضاء اعلى، وحكومة مرحلة انتقالية، ومجلس عسكري وامني انتقالي، وهيئة مستقلة للعدالة الانتقالية”.
وإذ تبدو هذه الأهداف هي أقصى ما كان يمكن المطالبة به ضمن برنامج ثوري معارض، في لحظة ما قُبيل التدخل العسكري الروسي نهاية العام 2015، فإن الغرابة ترافق إطلاق المبادرة اليوم في ظل انتصار النظام على الأرض. وما يزيد من الغرابة، أن من يقف خلف المبادرة، هي مجموعات غير متجانسة، قليل ما يُعرفُ عن معارضتها للنظام. لا بل إن الدعم الروسي لبعض أطرافها، شديد الوضوح، كما هو حال “منصة موسكو”، وكذلك الدعم الإماراتي لمجموعة خالد المحاميد، وهما أبرز كتلتين في المبادرة، التي تنطح لقيادتها أكثر المعارضين السوريين قرباً من النظام وحليفه الإيراني، هيثم مناع.
المبادرة التي حضر إعلانها معارضون، غابوا منذ سنوات عن المشهد السياسي السوري، أكدت أنها “غير محسوبة على أي دولة أو حزب وتحمل أجندات سورية فقط”. لكن مصادر “المدن”، قالت إن المبادرة المطروحة كانت بتنسيق مباشر مع النائب السابق لرئيس “الهيئة العليا للمفاوضات” خالد المحاميد، الذي غاب عن الإعلان جسداً وحضر ممولاً وداعماً من وراء الكواليس. كما تعمّد عشرات الموقعين على المبادرة التغيّب عن حفل إعلانها، كي لا يتسببوا بتعطيلها لحظة ولادتها. من أبرز تلك الأسماء الداعمة لمبادرة هيثم المناع؛ رندة قسيس، وقدري جميل، وخالد المحاميد، وأحمد الجربا، بحسب مصادر “المدن”.
وأشارت بعض المصادر إلى التناقض الذي يحيط بدور خالد المحاميد، وهو المدعوم من روسيا، في طرح مبادرة تقول بما يحقق تطلعات السوريين في بناء دولة مدنية. كيف لا؟ وهو عراب تسليم الجنوب السوري للنظام وروسيا، عبر ممارسته ضغوطاً على قادة الفصائل، واقناعهم بعودة النظام وإقامة “المصالحة”. وإذ يغرق الجنوب السوري بالفوضى، وتخترقه مليشيات إيران وروسيا، ويعيش على وقع حرب يومية بين إيران وإسرائيل، يغيب عنه بالمطلق أي صوت للثورة السورية وأهدافها وأحلامها، بعدما تحوّل أهلها إلى لاهثين وراء لقمة الخبز.
المحاميد وبعدما نجح باختراق الفصائل العسكرية وتسبب بتسليم مهد الثورة السورية للنظام، كُلّفّ بمهمة جديدة: تكرار المهمة نفسها، ولكن على صعيد المعارضة السياسية.
ولعل “المبادرة الوطنية السورية” الحالية تتوافق مع طلب سابق للمحاميد، بعقد مؤتمر مشترك بين المعارضة والنظام، ومناقشة آليات و”سبل الحل السياسي” وفق الرؤية الروسية. فالمحاميد كان قد عمل نهاية العام 2018، بـ”ضمانات روسية” على تشكيل جسم سياسي يمهد لـ”مؤتمر حوار وطني سوري-سوري”، وبدأ تشكيل “لجان” من محافظتي درعا والقنيطرة لاختيار ممثلين عنهما لحضور المؤتمر، الذي قال المحاميد إنه سيكون بتمويل إماراتي، ودعم روسي.
والهدف من تنظيم ذلك “الحوار الوطني” في الداخل السوري، بإشراف أجهزة النظام الأمنية وحضور ممثليها، كان إيجاد جسم سياسي يمثل المعارضة في الداخل، للالتفاف على القرارات الدولية التي تدعو لانتقال سياسي للسلطة في سوريا، وتقزيم مطالب المعارضة من تغيير نظام الحكم إلى المطالبة بتأمين احتياجات الناس وتوفير الخدمات والإفراج عن الأحياء من المعتقلين في سجون النظام.
عضو سابق في “الهيئة العليا للمفاوضات”، قال في حديثه لـ”المدن”، إن مبادرة المحاميد، ولدت ميتة، خاصة وأنها تستكمل ما بدأه قبل سنوات من اختراق “الهيئة العليا للمفاوضات”، التي عجزت عن تحقيق أي تقدم في المسار السياسي منذ أواخر العام 2017.
واعتبر المصدر أن الهدف من المبادرة الجديدة، هو تفكيك “الهيئة العليا للمفاوضات” و”الإئتلاف الوطني”، وصناعة جسم سياسي جديد، بإشراف روسي، يقبل الدخول في مفاوضات مباشرة مع النظام، تحظى بدعم الشرعية الدولية، ما يضمن رفع العقوبات المفروضة على النظام والبدء بإعادة الإعمار.
وقلل العضو السابق في “الهيئة”، من قدرة هذه المبادرة على تحقيق تقدم في المسار السياسي، مستشهداً باتفاق الجنوب السوري الذي تم توقيعه بضمانة روسية. فمضمون الاتفاق ما زال معلقاً إلى اليوم، بعد مضي 9 شهور على توقيعه. فالنظام لم يُفرج عن المعتقلين، وما زال مصير الآلاف من أبناء المنطقة مجهولاً، هذا عدا عن انتشار حواجز مليشيات النظام وتقطيع أوصال حوران، على عكس ما تم الاتفاق عليه بإعادة الجيش إلى ثكناته، فضلا عن تجاوزات وانتهاكات النظام المستمرة بحق أبناء المنطقة.
إلا أن هذا تماماً، هو ما تعد به “المبادرة الوطنية السورية”: مصادرة خطاب المعارضة، والانخراط بمفاوضات شكلية مع النظام لإعادة تعويمه دولياً، والعودة إلى الأوضاع ما قبل العام 2011 مقابل بعض التنازلات الشكلية لأبطالها؛ المحاميد وجميل وقسيس ومناع. وبعبارة أخرى، استكمال برنامج الثورة المضادة، سياسياً هذه المرة.

 

مجلس القبائل والعشائر السورية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى